حيلة بني جبعون
رجاء محبة: قراءة الأصحاح التاسع من سفر يشوع قبل قراءة الرسالة
لقد أدرك بنو جبعون ما أدركته راحاب الزانية، وأراد الكل الخلاص، إذ رأوا يد الله القوية تعمل لحساب شعبة. أما بنو جبعون فلم يبلغوا ما بلغته راحاب، وإن كانوا قد ارتفعوا عن بقية الأمم المحيطة بهم.
فلقد استطاعت راحاب بالأيمان ليس فقط أن تخلص هي وأهل بيتها من الموت وإنما أن تدخل العضوية الكنسية، لتمثل كنيسة العهد الجديد القادمة من الأمم كعروسة مقدسة وبتول للرب. وبإيمانها نالت الشرف العظيم أن يسجل أسمها في سلسلة أنساب السيد المسيح الأمرالذي لم ينعم به كثير من المؤمنات العظيمات، وحسبها بولس الرسول بين رجال ونساء الايمان (عب ١١: ٢١-٢٣).
أما بنو جبعون فبالخوف مع المكر خلصوا من الموت، لكنهم دخلوا وسط الشعب كعبيد يحتطبوا حطبا ويستقون ماء لكل الجماعة ولبيت الله. حقا أنهم لم يبادوا كبقية الأمم لكنهم لم يقدروا أن يرتفعوا إلي مجد راحاب، هم سلكوا بروح الخوف والمكر، أما هي فبروح الإيمان والحب.
هم التصقوا بكل ما هو قديم وبال من خبز يابس وزقاق خمر باليه مشققة ومربوطة، وبغال بالية ومرقعة، وثياب رثة، أما راحاب فالتصقت بالجواسيس وارتفع قلبها إلي فوق السطح بين عيدان الكتان (النقاوة) ، وأوصتهما أن يسيرا على الجبال العالية، وليس في الوديان المنحطة. وكأن بني جبعون حتى في التصاقهم بشعب الله كانوا مرتبطين بأمور العالم البالية، أما راحاب فأرتفع قلبها إلى السموات إلى الحياة العلوية النقية.
بمعني أخر: صار بنو جبعون مثالا للإنسان الذي يعبد الله خوفا لئلا يفقد البركات الزمنية، ويعيش في ضياع، أما راحاب فتمثل الإنسان الذي يلقي بشهوات جسده القديم تحت قدميه، خالعا إنسانة القديم بكل أعمالة طالبا للمجد الأبدي، واشتياقا للتشبه بالله نفسه. لقد أستخدم بنو جبعون المكر على أولاد الله، لينعموا بالحياة الزمنية، الأمر الذي أفقدهم الكثير من البركات، أما راحاب فإنها وإن كانت قد سلكت بالكذب مع رسل ملك أريحا وبمكر الأمم الغير مستحب، ولكنها كانت صريحة وواضحة في تعاملها مع أولاد الله.
ويحذرنا العلامة أوريجانوس من الدخول إلى الإيمان علي مستوى بني جبعون، فنحيا كعبيد نحتطب حطبا ونستقي ماء، عوض أن نكون على مستوى الأبناء لله العاملين إرادته و السالكين بروحة متشبهين به إذ يقول:
"لو كان إيمان واحد من الشعب محدوداً بحضوره الكنيسة، والانحناء أمام الكاهن وتكريم خدام الرب والاشتراك في تجميل الهيكل والكنيسة، دون أن يصنع شيئاً لإصلاح سلوكه، وتصحيح عاداته، فيدفن الشر ويمارس الحياة الطاهرة، ويضبط غضبة وطمعه واشتهاء ما لغيرة، ويبتعد عن النميمة والسب والإدانة الهدامة... فإن مثل هذا ينسبه الرب إلي بني جبعون. إنني أتوسل إليكم كسفراء عن المسيح أنه مادام يوجد وقت، وإمكانية للتصحيح فلتجتهدوا ولتسرعوا بإلقاء الثياب البالية والنجسات التي لا تليق بحريه أولاد الله"